كتب: أبوالمعارف الحفناوي، أيمن الوكيل
تشتهر محافظة قنا بين محافظات الجمهورية بصناعة العسل الأسود الذي تميزت به وأصبح اسمه لصيقًا بأحد أهم مراكزها “نجع حمادي”، شمالي المحافظة، حتى أنك تكاد تكون حافظًا لنداء بائع العسل الشهير، وهو يجوب البلاد طولًا وعرضًا لبيع بضاعته شاديًا “عسل نجع حمادي”.

هنا في قرى مركز نجع حمادي تبدأ عصارات القصب عملها مبكرًا، قبل مصانع السكر، التي تبدأ عملها في أول يناير من كل عام، والتي يفضل البعض توريد محصوله من قصب السكر إليها، لأسباب متعددة لا يتسع المجال لذكرها في هذا التقرير.
وبين المراحل المتعددة لصناعة العسل الأسود، والتي تبدأ من استلام المحصول، وإدخاله لمرحلة العصير، قبل تسخينه وتحويله إلى العسل الأسود، يكمن دور ذلك العامل الذي يجلس في حفرة يبلغ قطرها ما بين 2 إلى 3 أمتار، أمام “محماة” العصارة “الفرن” غير عابئ بدرجات الحرارة العالية لساعات طويلة.

التقت “النجعاوية” بعامل الفرن محمد، الذي اكتفى بذكر اسمه فقط، للحديث حول عمله الذي يشق على الكثيرين أن يقوموا به، ووثقت عدساتها لحظات عمله العصيبه، التي رواها كما يلي:
يقول محمد: أبدأ يومي بالاستيقاظ مبكرًا قبل آذان الفجر، وهي عادة متوارثة في عائلتي الصغيرة التي تعتمد على الزراعة، رغم أن معظم أبنائها حاصلين على درجات علمية متنوعة، ثم أذهب إلى عصارة القصب التي أعمل بها، والتي تبعد عن مسكني حوالي 3 كيلو مترات تقريبًا.

يروي عامل المحماة أنه ينزل إلى حفرة المحمى قبل ضوء الصباح، ثم يبدأ في إشعال النار من نواتج عصير القصب “عيدان القصب بعد عصرها” حتى ترتفع درجة حرارة الفرن إلى المستوى المطلوب، لافتًا أن إحماء الفرن قد يستغرق مدة ساعة تقريبًا ولا تتم صناعة العسل إلا به.
يحكي محمد أن أصعب الأوقات التي تمر به في مهنته الشاقة هو وقت الظهيرة، الذي تتعامد فيه الشمس على الرؤوس، وتتضاعف فيه حرارة الفرن، لدرجة أنه يتصبب عرقًا في أشد درجات الشتاء برودة، مشيرًا إلى أن لقمة العيش الكريمة تستحق شرف المعاناة.

يفيد عامل الفرن أن ساعات عمله تمتد حتى غروب الشمس، ولا يحق له مغادرة موقعه أمام النيران إلا لدقائق معدودة يتناول فيها طعام الغداء الذي يصطحبه من منزله في كل يوم، مشيرًا إلى أن ما يحصل عليه من أجر مقابل عمله هي ما ينفق منه على أسرته.
